يا شام هل يحجز الأشـواق قضبـان؟
أم يحجب الطيـف أسـوار وجـدران
قـد استوينـا فكـل رهـن محبسـه
للظلـم مـن حولـه سـوط وسجـان
لنـا إذا هبـت الأنـسـام لاعـجـة
من حرقـة الوجـد فالأكبـاد نيـران
يغشى الأسى ناظرينا كلمـا ومضـت
فـي الأفـق بارقـة تخبـو وتـزدان
إذا تـألـق فــي عليائـهـا أمــلٌ
هوى إليـه هـوىً وانسـاب ألحـان
لا عتـب أن فرقتنـا للنـوى سـبـل
فالدهـر ذو دولـة والوصـل ميـان
وهكـذا تنـضـب الأرواح نـازفـة
بكـل جـرح مـرارات وأشـطـان
لـم يبـق إلا صبـابـات نجاذبـهـا
لا ترتوي فالجـوى باليـأس حـران
نباكـر الغَـمَّ فـي الإصبـاح متقـداً
وفـي العشيـة آهــات وأشـجـان
تطير أرواحنـا شوقـاً ولـو قـدرت
طـارت إليكـم مـع الأرواح أبـدان
أنتم ندامى الهـوى مـا للهوى بـدل
منكـم إذا سامـر المشتـاق نـدمـان
لسنا من الحب في شيء لو انصرفت
عنكـم صبابتنـا أو ضـل وجــدان
نسلـو الحيـاة ولا نسلـو تذكـركـم
وهل تـداوى بغيـر الذكـر ولهـان
وحسبكم أنكـم فـي القلـب مسكنكـم
حيث الأسى راتـع واليـأس حيـران
عسـى تراسـلُ أشــواقٍ يعللـنـا
وربمـا خفتـت بالشـوق أحــزان
أواصر الحب كـلُّ الحـب تجمعنـا
رغم القيود أمـا قـد قـال حسـان :
إمـا سألـت فإنـا معشـر نـجـب
الأزد نسبتـنـا والـمـاء غـســان
وكـل نـاعـورة بالـشـام نـادبـة
عهد الوصال فهـل للهيـض جبـران
الله أكبـر! هــذا الظـلـم فرقـنـا
وللمقـاديـر إيــلاف وإظـعــان
كأنـه لـم يكـن بالمـرج مرتعـنـا
ولم يكن في ربـى جيـرون جيـران
ولم يكن في الثغور الغـر مرصدنـا
وفـي المضائـق حـراس وسـكـان
وفـي السواحـل نيـران وأربـطـة
وفـي الجزيـرة أحبـاب وإخــوان
وفـي المدائـن أنـسـاب مؤلـفـة
وفـي العشائـر أصهـار وأخـتـان
وأعذب الحـب مـا كانـت مـوارده
بالقـدس ، أواه هـل للقـدس نسيـان
إذا تضـاءل هـذا الحـب عـن بلـد
ففـي مرابعـكـم فــيء وأكـنـان
تالله مـا الغوطـة الغـنـاء منيتـنـا
وفـي مسارحهـا للحسـن غـزلان
ولا رســوم لأجــداد بساحتـكـم
إذ كــان يملكـهـا أزد وزهــران
ولا صبـا بـردى يسبـي مشاعرنـا
لكنـمـا حبـكـم ديــن وإيـمـان
من البراق أصول الحبّ قـد بزغـت
وقد أضاءت لهـا بصـرى وحـوران
إذا سرى الطيف منكم وانثنى سحـراً
يهيـج بالقلـب لـلإسـراء عـنـوان
لله حــبٌ، رســول الله أسـسـه
وهـل لنـا غـيـره أس وأركــان
وقـام مـن بعـده الصديـق يـورده
والشرق والغـرب نيـران وصلبـان
بعزمـةٍ عقـد الـرايـات مرتقـبـاً
بشرى الرسول وأمضى وهو عجـلان
وقـال: (إن لـم نبادرهـم بمعمـعـة
تنسي الحلـومَ فـلا كنـا ولا كانـوا
والدهر ما عـزم الصديـق مرتجـف
والأرض مائـدة والبحـر طـوفـان
إذا تحـنـن فالإعـصـار مرحـمـة
وإن تـوعـد فالأنـسـام حسـبـان
يعطـي وليـس لمخلـوق عليـه يـد
إنفاقـه حسبـة، والعتـق إحـسـان
دع ليلـة الغـار فالقـرآن خلـدهـا
تقاصـرت همـم عنـهـا وأزمــان
والروم قد أثخنت في الفرس عن حنق
فالشام قلـب وباقـي الملـك جثمـان
حـلاوة النصـر لازالـت تداعبـهـا
ونشوة النصر فـي الطغيـان طغيـان
لكـن قلـب هرقـل َ واهـن وجـل
تصارعـت فيـه أنــوار وأوثــان
لديه من سابق الأخبـار عـن سلـفٍ
مـن النـبـوات آيــات وبـرهـان
شمس الرسالة هـذا حيـن مطلعهـا
فلتبتهـج بسنـا الرحـمـن أكــوان
"ساعير " و"الطور " للإسـلام تقدمـةٌ
والنور تعلنه فـي الأرض "فـاران "
والله يختـار ممـا شــاء مرسـلـه
والخلـق ليـس لهـم رأي ولا شـان
والملك في فـرع إسماعيـل منتقـل
حتمـاً ولـو كرهـت روم ويـونـان
ملك الختان بدا فـي الأفـق شاهـده
فبان أن الملـوك القلـف قـد بانـوا
وأخمدت نار كسـرى حيـن مشرقـه
واهتـز بالشرفـات الشـم إيــوان
تـلا كتـاب رسـول الله فــي أدب
وقـال للـروم والأرصـاد حيطـان:
هـذا الرسـول الـذي كنـا نؤملـه
فالعيـن نائمـة والقـلـب يقـظـان
وهـذه الشـام للمبعـوث عاصـمـة
للسيـف ظـل وللزيتـون أغـصـان
إن اتبعـنـاه فالدنـيـا لـنـا تـبـع
وسائـر النـاس خــدام وولــدان
وإن أبيـنـا فـأمـر الله غالـبـنـا
وملكنـا ضائـع والسعـي خسـران
نعمْ! "هرقل ُ" لقد أسمعـتَ ذا صمـم
لـو كـان للـقـوم آذان وإذعــان
أبـت بطارقـة الرومـان موعـظـة
وغـلّ أحلامهـم كـبـر وبهـتـان
والكبر ما كـان فـي طياتـه حسـد
فشـر وادٍ تــردى فـيـه إنـسـان
إلا "ضغـاطـر " إن الله أكـرمــه
وقـال: يـا قـوم إن الحـق فرقـان
محمد نحـن فـي الأسفـار نعرفـه
فكيـف يوبقنـا فـي الكفـر نكـران
تواتـرت عنـدنـا أنـبـاء بعثـتـه
فالخلـق ينتظـرون الإنـس والجـان
لولاه ما هاجر الأحبـار واصطبـروا
على لظـى يثـرب والشـام أجنـان
وللنـبـوة أعــلام إذا نـشــرت
أصغـى وأبصرهـا بكـم وعمـيـان
وحي يصـدق بعضـاً بعضـه أبـداً
تـوراة موسـى وإنجيـل وقــرآن
والـحـق أولــه مـهـد لآخــره
جبريـل ناموسـه والرُّسْـل إخـوان
تقـدس الله أن يدعـى لــه ولــد
أو أن يكـون لـه نــدٌ وأعــوان
وكلكـم عـارف مـا قلـت فاتبعـوا
حكيمـة النمـل إذ وافـى سليـمـان
فأشعيـاء حكـى أوصـاف طلعـتـه
كمـا حكـى صـورة بالرسـم فنـان
ودانيـال فـقـد جــاءت نبـوتـه
نصاً كمـا يبصـر الإنسـانَ إنسـان
وفـي المزاميـر يأتـي أحمـد فـإذا
كـل الجزائـر والأنهـار خضعـان
وسـوف تُخـدِمـه أقيالَـهـا سـبـأ
وسـوف تتحفـه بـالـورد لبـنـان
ويهرع النـاس نحـو البيـت عاريـة
أطرافهـم ولهـم عــج وألـحـان
تـهـدى إلـيـه قرابـيـن مقـلـدة
تسوقهـا حسبـة مصـر ومـديـان
وفي شكيـم لـه جيـش ذوو غـرر
يقتـص ممـا أراقـت قبـل رومـان
وأرض بابـل يعنـو سحرهـا هلعـاً
إذا تـرنـم بالتهـلـيـل عـربــان
هـم أمـة الحمـد والتكبيـر ديدنهـم
إذا علـوا شـرفـاً أو لاح عـلـوان
وفـي النهـار ليـوث لا يسـاورهـا
غمر وهم في ظـلام الليـل رهبـان
هذا هو الملكوت الحـق قـد بزغـت
أنـواره فالدجـى المبهـور وسنـان
كأننـي أبصـر الأمــلاك تحمـلـه
وهـم صفـوف لمـبـداه وفـرقـان
وذا المبـارك باسـم الـرب مقدمـه
بنـوره محفـل الأمـلاك زهــوان
تمت على الحجر المرفـوض نعمتـه
فصار تـاج الـذرى والديـن بنيـان
أيخـفـض الله بنيـانـاً ونرفـعـه؟
ويصطفـي الله مخـتـاراً ونخـتـان
ويبتـلـي الله تقـوانـا فيلبـسـهـا
مـن التعصـب إغـمـاط وشـنـآن
فمزقـوه وقـد كـان الإمـام لـهـم
لكـن تملكـهـم بـغـي وأضـغـان
كانت دمشـق تـرى هـذا وتسمعـه
كذاك أصغت لقـول الحبـر جـولان
وكـل مؤتمـر فـي أي محتـضـر
غيـر السقيفـة أسـمـارٌ وبـطـلان
بكـى هرقـل ولكـن كـان ذا جلـد
وقـال قولـة نصـح وهـو لهـفـان
يا أيها الـروم إن لـم تسلمـوا فلنـا
في الصلح خير وبعض المر حلـوان
وملـك أحمـد حـد الشمـس مبلغـه
والترك مـن جنـده والصيـن أقنـان
وسوف تسجد روما وهـي صاغـرة
مهمـا تـقـادم أجـيـال وأزمــان
قالـوا: أندفـع للأعـراب جزيتـنـا
أبنـاء هاجـر هـم للـروم عـبـدان
فقال: يا ليتني عبـدٌ لأعسفهـم مُلكـاً
ولا ملـك لــي فيـكـم ولاشــان
وكنت ألثم مـن خيـر الـورى قدمـاً
يحـيـى بقبلتـهـا روح ووجــدان
وقـد تمنـى مسـيـح الله خدمـتـه
وحمـل نعليـه والإنجيـل بـرهـان
ثم انثنـى مـن وراء الـدرب مكتئبـاً
إذ أقبـلـت لجـنـود الله فـرسـان
وكان ما كـان ممـا الدهـر سجلـه
وشاهـدت آيـه حمـص وبيـسـان
ملاحـم الحـق واليرمـوك رايتهـا
فاضت بها من روابي الشـام شطـآن
وكلمـا أوقـد الـرومـان ملحـمـة
هـوى لنـا شهـب وانقـض عقبـان
جئنا صقوراً علـى شقـر مضمـرة
وهم على الدهم يوم الـروع غربـان
قد انتضينا سيوف الحـق ليـس لهـا
في النقع إلا جسـوم الـروم أجفـان
وللبـطـولات أصــداء مزلـزلـة
سارت بها في فجاج الأرض ركبـان
فمـا تظـن بجيـش فـي ذؤابـتـه
أصحـاب بـدر وسيـف الله أركـان
ملائـك الله بـالإرعـاب تنصـرهـم
لهم مـن الذكـر أحـراز وأحصـان
تمضي القرون ونون الدهـر عاجـزة
عن كتب أمجادهـم والسطـر عيـان
ودِّعْ -هرقل ُ- وداعـاً لا لقـاء لـه
ضاع الهـوى فقـد الأحـلام هيمـان
ودِّعْ على حسرة مـا كنـت تعشقـه
مراتع العـز حيـث الملـك جـذلان
غال الحقيقـة قـوم أُترعـوا بطـراً
كما قد اغتالهـا فـي الديـر رهبـان
فاقنع بمشطور ملك الروم مـا بقيـت
مـن البطاقـة أطــلال وعـنـوان
ومـن يعظـم رسـول الله يجـز بـه
دنيـا إذا فاتـه ديــن ورضــوان
والحـمـد لله صــان الله ملـتـنـا
من مثل ماعاث "قسطنطين " أو جـان
وأورث الله أرض الأنبـيـاء لـنــا
والسيـف للسيـف أكفـاء وأقــران
والروم ما شئت من رأي ومـن عـدد
لكنمـا الأمـر توفـيـق وخــذلان
وإنمـا خـذل الرحمـن مجمعـهـم
كيـلا يمـن علـى الإسـلام مـنـان
وكـي يظلـوا عـدواً دائمـاً أبــداً
لا يستكيـن لهـم حقـدٌ وأضـغـان
والشام بالشوق قـد أخفـت شماتتهـا
والحـب يوقـده للـصـب كتـمـان
يا شام قد لاحت البشرى علـى ظمـأ
واستشـرف الفجـر أكمـام وسيقـان
حان اللقاء فتيهـي وارقصـي جـذلاً
فموكـب الشـوق للأعـراس بستـان
أبـو عبـيـدة والتـقـوى تــجلله
هشـت لملـقـاه آكــام ووديــان
وعانقتـه دمشـق وهــي غـارقـة
في سكرة الحـب والمشتـاق نشـوان
قالت: ألا أرتوي من مبسـم سقطـت
منـه فـدى لـرسـول الله أسـنـان
هذا العفاف وهـذا الزهـد أذكرنـي
يحيى الرسول فقل لـي كيـف أزدان
ياحبـذا النـور نـور الله يغمـرنـي
وحبذا الجنـد جنـد الله مـن كانـوا
هذا الحـواري لامـا كنـت أحسبـه
إذ للنواقيـس فـي الأرجـاء إعـلان
هـذا الأميـن كنـوز الأرض تطلبـه
وكـم سباهـا مـن الأحبـار خـوان
والزهد فـي الفاتحيـن الغـر منقبـة
مـا نالهـا قـط عربـيـد ودنــان
سل الفتـوح التـي كانـت شريعتهـا
ما سار "اسكندر ٌ" أو سن "ساسـان "
يـا مـن وسادتـه تـرس ومسكنـه
خـص ومـزوده مـلـح وأشـنـان
مـا الشـام قبلـك إلا مقبـر خـربٌ
تناثـرت فـيـه أشــلاء وأكـفـان
نور مـن الرحمـة المهـداة مقتبـس
أضـاء والشـام أدغـال وغـيـران
إذا تزينـت الدنـيـا بـكـى فـرقـاً
متاعـهـا عـنـده زور وبـهـتـان
رديـفـه سـيـد الفتـيـان قاطـبـة
مـن حشـو بردتـه علـم وإيـمـان
أغر أبيـض يحكـي البـرق مبسمـه
وكــل منـطـقـه در وعـقـيـان
الذاكـر الله إن قامـوا وإن هجعـوا
الذكـر روح لـه والصـوم ريحـان
قـل يـا معـاذ فأبنـائـي تـلامـذة
إذا نطقـت وزهــر الـربـع آذان
وهامت الشام شوقـاً أن تـرى عمـر
هو الزعيم وهـذا الصحـب أعـوان
يا شام قد أقبـل الفـاروق فابتهجـي
فالجـو مـن عبـق الفـاروق ريـان
والأرض تهتـز رعبـاً مـن جلالتـه
ومن مهابتـه فـي السحـب رعـدان
سكينـة الحـق تعلـو وجهـه أبـداً
فلا يواجهـه فـي الـدرب شيطـان
وأينمـا سـار فـي مغنـاك موكبـه
طابـت بممشـاه أعـطـاف وأردان
مـحـدَّث ملـهـمٌ جــمٌّ مناقـبـه
العبقريـة مــن سيـمـاه تــزدان
أستغفر الله هـل شعـري يحيـط بـه
وصفاًولـو أن هـذا البحـر ديـوان
وهو الـذي طالمـا جـادت فراستـه
رأيـاً فوافـقـه بالـوحـي قــرآن
يا حظ "جابية " بالركب قـد شرفـت
وسائـر الشـام إصغـاء وإذعــان
هنالـك ارتجـل الفـاروق رائـعـةً
فيهـا مـن الحـق دستـور وتبيـان
جلَّى من الخطـة البيضـاء منهجهـا
هـو اجتمـاع وإخـلاص وإيـقـان
وفجأة ضج هـذا العـرس وانقلبـت
أفراحـه مأتمـاً تغـشـاه أحــزان
نـادى بـلال فأبكـى الشـام قاطبـة
الصـوت مختنـق والحلـق غصـان
أثـار ذكـرى رسـول الله فانتحبـت
وهـل لذكـرى رسـول الله سلـوان
لم يستطع لاسمـه لفظـاً وحـق لـه
إذ لوعة الحزن في الأحشـاء نيـران
فتلك أصداؤه في الشـام مـا سكنـت
السهـل مستعبـر والسفـح حـنـان
من كان فـي المـلأ الأعلـى أحبتـه
فـلا يـعلله فــي الأرض خــلان
رمضـاء مكـة تتلـو بعـده "أَحَـدٌ"
و"الله أكبـر" فـي الآفــاق رنــان
وصخرة القـدس تـدري أن فارسهـا
نظـيـر يـوشـع لاروم وكـلـدان
لمـا تسلمهـا الـفـاروق طهـرهـا
كما علـى الطهـر أبقاهـا سليمـان
يا فاتح القدس إن القدس قـد سلبـت
وغالهـا بعدكـم "ليفـي " و"دايـان "
وباعهـا الزمـرة المستسلمـون كمـا
باع الحطيم بـزق الخمـر "غبشـان"
الله والـنـاس والتـاريـخ يلعنـهـم
فهـم علـى الـذل أعيـار وأنـتـان
لا دينَ لا غيـرةً لا عقـلَ لا رشـداً
العـار مكسبهـم والـدرب غـيـان
على اليهـود هـم الأغمـار خانعـة
لكـن علـى قومهـم عبـس وذبيـان
الخزي والخسـر والشحنـاء ديدنهـم
لا يستقيـم لهـم أمــر ولا شــان
محـض العـداوة للإسـلام يجمعهـم
وهم مـن الكفـر أصنـاف وألـوان
ولا تراهم علـى خيـر قـد اتفقـوا
وهم علـى الشـر أنصـار وأعـوان
مما أراقوا وممـا أهـدروا وطغـوا
ضجـت إلـى الله أفـواه وأوطــان
كـل القداسـات داسوهـا بأرجلهـم
باسم السلام وكم ذلـوا وكـم هانـوا
حادوا عن الرشد قصداً واستبـد بهـم
فـي لجـة التيـه إيغـال وإمـعـان
أعفّ عن ذكرهم إذ نحن فـي سمـر
عن الأُلـى ذكرهـم روح وريحـان
صحابة المصطفى خير الورى أثـراً
مـا رام منزلهـم إنـس ولا جــان
لهم أحاديث في الإخلاص لو قرئـت
على الجلاميد أمسـت وهـي كثبـان
لـولا الرسـول لمـا كانـوا أساتـذة
والناس من حولهـم للمجـد صبيـان
هم زينـة الدهـر والتاريـخ يلبسهـم
تـاجـاً يرصـعـه در ومـرجــان
لولا الرسـول لمـا كانـوا عباقـرة
فالوحـي للفطـرة الصمـاء بركـان
هم الهداة الأُلى مـن نـور حكمتهـم
عـم الحضـارة إنصـاف وعرفـان
إن الحضارة روح ليـس مـا نحتـت
مـن التماثيـل يـونـان ورومــان
أين التسامح أيـن العـدل إن صدقـوا
أيـن المواثيـق هـل للكفـر ميـزان
تلك الشعارات زيـف يخدعـون بـه
وهم على الظلـم والعـدوان أخـدان
أيـن المـآذن فـي أرجـاء أندلـس
إذ ظـل بالشـام أديـار وصلـبـان
إنـا علـى العهـد لا نختـان ذمتنـا
ولا نجـور وإن جـاروا وإن خانـوا
منّـا تعلَّـمـتِ الدنـيـا كرامتـهـا
إذ الفرنـجـة قطـعـان وغـيـلان
متى رعوا حرمـة أو راقبـوا ذممـاً
روس وصرب وإيطـال وأسبـان؟!!
العدل في القول والأحكـام شرعتنـا
إن الهـوى للضميـر الحـي فـتـان
هم أمنع الناس من ظلم الملـوك لهـم
إلا علينـا فـإن الظـلـم إحـسـان
وإن تر الـروم فيمـا بينهـم عدلـوا
فهم علـى غيرهـم بغـي وعـدوان
فانظر لأذنابهم في الشرق إن حكمـوا
روم ولكنـهـم سـمـر وســودان
وإنما اقتبسـوا مـن ضـوء سيرتنـا
مـا أيقنـوا أنـه للمـلـك أركــان
لولا المساواة والشورى لمـا غلبـوا
ولا استقر لهم فـي الأرض عمـران
ونحن لما انحرفنـا صـار حاضرنـا
في الجاهليـة حـالاً كالـذي كانـوا
نقـدس "الفـرد" أيـاً كـان منهجـه
"الفرد" نصـب وكـل النـاس سُـدّان
فدينهـم دينـه والـشـرع شرعـتـه
ولغـوه سـنّـةٌ والأمــر قــرآن
يا شـام معـذرة زاغ الحديـث بنـا
والهم في النفـس أشتـات وأشجـان
أكْـرِمْ بقـوم شــروا لله أنفسـهـم
فالملـك عاريـة والـروح قـربـان
نالـوا الشهـادة إذ قامـت وسائلهـا
بكـل جنـب فطـاعـون وطـعـان
في المرج رهط وفي عَمْواس طائفـة
حُـمَّ القضـاء ومـا للقـوم أكـفـان
ما مات قـوم أبـو الـدرداء خَالِفُهـم
أنسـى بحكمتـه مـا قـال لقـمـان
سل قلعة النصر والإصرار هل بقيـت
مـن آل حاميـم أصــداء وبنـيـان
إذ جاء من طيبـة الغـراء مصحفهـا
لمـا اعتنـى بكـتـاب الله عثـمـان
الله يجزيـه خيـراً مـا سمـى أحـد
ومــا تـألـق بالترتـيـل نعـمـان
لولاه كنـا كأهـل الديـر إن قـرأوا
"متى " يكذبـه "يوحنـا " و"سمعـان "
هـذا الحكيـم أبـو الـدرداء يقـرؤه
والناس للمشـرع المـورود زلفـان
معلـم الخيـر بالإحـسـان يـذكـره
في البر نمل وفـي اللجـات حيتـان
بكت دمشـق زمانـاً مـن مواعظـه
وفـي القلـوب ينابـيـع وصـلـدان
وإن ألمت به فـي الـرأي معضلـة
يمـده خابـر الأديــان "سلـمـان "
القـول إن قـال أمثـال مصـرفـة
والفعـل للمقتـدي هـدي وإحـسـان
يجلو قلوبـا يغشِّـى الـران رونقهـا
ويرتقـي بالتـي فـي نورهـا غـان
والتابعون مـن الآفـاق قـد وفـدوا
أزد وقـيـس وأنـمـار وخــولان
فللجـوامـع أحـبــار محـلـقـة
وللـربـاط صنـاديـد وفـرســان
حياك يا أمـة التوحيـد مـا طربـت
ورق ومـا ثملـت بالشـدو أفـنـان
ولـى هرقـل وولاهــا معـاويـة
فعلَّـم الـروم أن اليـأس سـلـوان
الحلـم شيمـتـه والـغـزو همـتـه
أرسى السفيـن كـأن البحـر قيعـان
مـا بيـن شاتيـة تغـدو وصائـفـة
مـا فـل عـزم ولا وافـاه خـذلان
والصافنـات أبـو أيـوب يزجرهـا
وللمنـايـا أخـاديــدٌ وخـلـجـان
يا أشرف الصحب داراً طاب مضطجعٌ
بساحة الروم نائـي الـدار ضحيـان
جعلتـه معلمـاً يـذكـي عزائمـنـا
إذا تخبطـهـا دنـيـا وشـيـطـان
ثم انبرى الخثعمـي الشهـم يوردهـا
أصفى الموارد عـزاً وهـو نهـلان
لله هـذا الفتـى مـا كـان أعظـمـه
لانت صخور الرواسي وهو صـوان
ستون عامـاً قضاهـا فـي مرابطـه
لـم توقـد النـار إلا وهـو يقظـان
وفـي جـنـادة لـلأعـداء مـأسـدة
والغامـدي الأبـي القـرم سفـيـان
وهـل رأيـت حبيبـاً حبـه لـهـب
إذا أديـرت رحاهـا فهـو طـحـان
يا شام ساء صباح الروم قـد نزلـت
بساحـة الـروم أهـوال وشجـعـان
ما أصبحـت بالكمـاة الشـم مترعـة
وعسهـا الليـل إلا وهــي جـبـان
وظــل ديدنـنـا هــذا وديدنـهـم
حتى اعترانا البلـى والسعـد ظعـان
هنا استبـدت بنـور الحـق غاشيـة
وسـنـة الله أن الـزيـغ غشـيـان
ومن يزيد إلـى الحجـاج مـا فتئـت
تشكـو مـن الظلـم أنحـاء وأعيـان
والظلم شؤم وشر الظلـم مـا ولغـت
فيه الملـوك وأثـرى منـه سلطـان
والناس إن بايعـوا والسيـف يخفقهـم
فلفظهـم مــادح والقـلـب لـعـان
والناس تخدع مـن بالزيـف يخدعهـا
تطيعـه صـورة والسـر عصـيـان
والكسرويـة فـي الإسـلام محدثـة
أكلمـا مـات حـرب قـام مـروان
وفـي أمـيـة لـلإسـلام مـأثـرة
كـمـا لـهـم ثلـمـة والله ديــان
إن كفَّر الله عنهـم بعـض ماعقـدوا
واستأثـروا فبمـا أمضـى سليمـان
لكـن للعـدل كَـرَّاتٌ وإن نــدرت
تذكر النـاس بالشـورى متـى بانـوا
وكـان أول وعـد صــادق عـمـر
تبـارك الله عيـن الـعـدل إنـسـان
الراشـد الماجـد الميمـون طـائـره
عليـه مـن سمـة الفـاروق تيجـان
فاعجب له عمـراً يقفـو خطـا عمـر
كمـا همـى صيِّـبٌ يتـلـوه هـتـان
يـا واعظـاً وعـظ الدنيـا بسيـرتـه
روح مـن الرشـد لاحيـف وإدهـان
والظالمـون لهـم يـوم سيفجـؤهـم
إذا تسربلـهـم نـــار وقـطــران
تاريخنـا هـكـذا حيـنـاً عمالـقـة
غـر وحينـاً طواغـيـت وأوثــان
هـذا يبيـت ثقيـلاً مــن مظالمـهـا
وذاك للـرد والإنـصـاف سـهـران
وكـم توثـب فينـا ثعـلـب خَـتِـلٌ
ودبـر الملـك قيـنـات وخصـيـان
وكـم تحكـم باسـم الديـن طاغـيـة
وكـم تحكـم باسـم العـلـم كَـهّـان
وكـم رأيـت دعـاة الحـق يقذفـهـم
بلعـام ُ واستخـدم الأشـرافَ دهقـانُ
إذا تـألـه فـرعـونٌ عـلـى مــلأ
فهل يـلام علـى الإفسـاد هامـان ؟
وأغفـلُ النـاس مـن تغلـي رعيتـه
غيظاً ويحسـب أن الصمـت إذعـان
والنـاس ينسـون إلا مـن يجرعهـم
مـرارة الظلـم مـا للظلـم نسـيـان
يدسـه الـجـد للأحـفـاد مستـعـراً
والأم ترضـعـه والـثـدي لـقــان
إذا الفراعيـن سنـوا الظلـم فلسـفـة
تلطـخـت فـيـه أقــلام وأذقــان
باسم السياسة حل الظلـم بـل نسخـت
مـن الشريـعـة أعــلام وأمـتـان
الرعـب يستلـب الأحـلام يقظتـهـا
وبهـرج الزيـف للأنظـار دخــان
ومـرَّ دهـر ودنيـا الشـام خامـلـة
منذ استبـدت بـرأس الأمـر بغـدان
حتى اقتضت سنة الرحمن أن طرقـت
أبوابها مـن جيـوش الكفـر صلبـان
ومـا الفرنجـة إلا معـشـر هـمـج
أخنـى عليـه دهـور وهـو وسنـان
والديـن للنـاس مفـتـاح يحـركـه
باسـم التعصـب صديـق وشيـطـان
وربمـا اعتـذر الشيطـان -سيدهـم-
مما افترى "بطرس " وافتـات "أُربـان"
والترك لما تخلى العرب قـد ورثـوا
عبء الجهـاد فمـا هانـوا ولا لانـوا
شجاعة الترك بالإسـلام قـد زكيـت
ليسـت كمـا ربهـا خـان وخـاقـان
هـم المغاويـر لا ريـث ولا وجــل
هــم العمالـيـق خـيـال وسـفـان
لا ترتوي مـن دمـاء الـروم أنفسهـم
بـل نابهـم لهـث عنـهـا وإدمــان
فإن شككـت فسـل عنهـم عطارفـة
لـمـا تعـاورهـا روس وشيـشـان
هم وحدهم قد أذاقوا الـروس ملحمـة
والروس للغرب كـل الغـرب أقـران
والشام أبطالهـا مـن حـاط ساحتهـا
ولا تبالي متـى جـاءوا ومـن كانـوا
وهكذا جـاء نـور الديـن فابتهجـت
في السهل عرس وفي الأبراج أحضان
أتـى إلـى حلـب الشهبـاء ينقـذهـا
إذ كـان لطخهـا بالرفـض رضـوان
وجـاء بالسـنـة الـغـراء يبعثـهـا
هـداً لكفـر العبيديـيـن إذ خـانـوا
خمسون حصناً بحد السيـف حررهـا
وكلهـا بالعـلـوج الشـقـر مــلآن
قــد عـاهـد الله أيمـانـاً مغلـظـة
وهو الصـدوق وإن لـم تعـط أيمـان
ألا يُرى ساعـة فـي الدهـر مبتسمـاً
ولا يقـر لــه حــال ولا شــان
مـادام فـي حـوزة الكفـار مسلمـة
يسومهـا الفحـش دعـار ومـجـان
ولا يــظلله سـقـف ولا كـنــف
مـا قـام للسيـف إعمـال وإثـخـان
ما نال من بيت مـال المسلميـن يـداً
وإنمـا رزقــه بالـوقـف دكــان
وزوجـه تنسـج الأستـار صائـمـةً
نهارَهـا وهـي للإفـطـار أثـمـان
دار الحديـث بناهـا فهـي سامـقـة
والعلـم أس وباقـي الأمـر بنـيـان
ألغى المكوس وأقصـى مـن تأولهـا
والسحت مهما طغى غبـن وخسـران
والعدل والنصر مصفودان فـي قـرن
ومنتهـى الظلـم إدبــار وخــذلان
شـر الملـوك الـذي يختـان أمـتـه
فـي رزقهـا فهـو مكـاس ومـنـان
قـل للمرائـي بـلا جهـد ولانصـب
أقصـر لُعنـت فخيـر منـك قزمـان
وحسـب محـمـود الأواب مفـخـرة
أن الـرسـول أتــاه وهونـعـسـان
وقـال: شأنـك والعلجـيـن إنهـمـا
رامـا أذاي كـمـا يـنـدس ثعـبـان
فجـاء طيبـة يحـدو العيـس جاهـدة
وأحبط المكـر فـوراً وهـو غيـران
وحـاط أطهـر رمـسٍ مـن قواعـده
فالـردم مـن آنـك والقطـر أركـان
تبـاً لرومـا فقـد شابـت ذرى أحـدٍ
لمكرهـا واقشعـرت مـنـه لبـنـان
واعجب وإن شئت قل لي كله عجـب
لمنبـر صـاغـه تـقـوى وإيـمـان
عشرون عامـاً ونـور الديـن يحملـه
وللمهـنـدس تـجـديـد وإتـقــان
من العـراق إلـى الأعمـاق يصحبـه
وما رقاه -علـى الإطـلاق- سحبـان
والجيش يسـأل هـذا مـا يـراد بـه؟
إذ جاز في الشرع للإحسـان إعـلان
وإنمـا كـان نـذراً لايـبـوح بــه
للقـدس ، أواه هـل للقـدس جيـران
قد رام أمـراً فكـان المـوت سابقـه
ونيـة الخيـر بالإنـجـاز صـنـوان
وهذه الأمـة العصمـاء مـا شهـدت
إلا بحـق وفـي الأخـبـار تبـيـان
باسم الشهيد لنور الديـن قـد لهجـت
وللكرامـات فـي الأرواح وجــدان
ومـن أتـى الله بالإخـلاص أورثـه
لسان صدق وعقبـى الذكـر رضـوان
مرحى فهـذا صـلاح الديـن ينجـزه
نعـم الخليـفـة لـلإسـلام مـعـوان
أقـام حطيـن فـي التاريـخ ملحمـة
يشدو بها فـي فضـاء الدهـر أكـوان
يا فارس القدس أرض الفتـح تُقْطِعُهـا
ومـا لنفسـك مثـل الجنـد بستـان؟
كم مات من هو أدنـى منـك مملكـة
وكنـزه العيـن أحـمـال وأطـنـان
وأنـت ترحـل لا كنـز ولا نـشـب
ولاعـقـار ولاقـصـر ولاخـــان
المال كالعمر في درب الجهاد مضـى
فـيء ووقــف وأنـفـال وسلـبـان
نفسي فـداء يميـن منـك قـد فلقـت
بالسيف "أرناط " والمنـذور عطشـان
لو افتدى بكنـوز الأرض مـا قُبلـت
إن نـال عـرض رسـول الله فـتـان
أسـرت أقيـال أوروبــا وتعتقـهـم
فشأنـك الـدهـر غــلاب ومـنـان
أخلاقكـم هزمتهـم قـبـل رايتـكـم
فهـل تـزكـى بريـطـان وألـمـان
لايُبعـد الله عـكـا إنـهـا شـهـدت
أن الوفـاء مـع الأنـذال خـسـران؟
إذا قدرنـا فـإن الصـفـح شيمتـنـا
وهـم إذا قـدروا غــدر وخـتـلان
وحيثمـا لاح فـي أرجائهـا ذهــب
أو أبصروا النفـط فالقديـس قرصـان
"غورو " و"ريموند " و"اللنبي " وصاحبه
كـلٌّ علـى الغـي سفـاح وخــوان
قوم تراهم وحوش الحرب مـا غلبـوا
وهـم إذا عجـزوا للسلـم حـمـلان
ألا تراهـم وقـد قـامـت قيامتـهـم
لـمـا تطـلـع لـلإسـلام بـلـقـان
خاطوا الأحابيل باسم السلم واجتمعـت
رغـم العـداوات أحـلاف وأديــان
لاديـن للغـرب إلا حــرب ملتـنـا
وما عـدا ذاك لا تسـأل بمـا دانـوا
يأبى السلاح ويعطـي القـوت تعميـة
فالقـوم صنـفـان جــزار وتـبـان
وهيئـة الأمـم النكـراء مسرحـهـم
ومـن وراء خيـال الظـل أرســان
ونحن نشكـو إلـى الجـزار خادمـه
كيـلا يقـال " أصوليـون" "أفغـان"!!
الـشـام أكـثـر أرض الله معـرفـة
بغدرهـم إذ غزاهـا منـه غــزوان
ومثلهم ما تغشـى الشـام مـن محـن
لمـا تجـبـر هـولاكـو وقــازان
وأقبـل الجحفـل الجـرار مـن تتـر
كأنمـا أُشعلـت فـي الأرض نيـران
ولم تر الشام مـن يحمـي محارمهـا
بـل فـر بالخـزي نـواب وسلطـان
فقـام بالأمـر حبـر الدهـر أجمعـه
دمـشـق مَـدْرَجُـهُ والأم حـــرَّان
قـام ابـن تيميـة فـي نصـر ملتنـا
كصاحـب الغـار والـردات ألــوان
ما شاءت الشام من سيـف ومـن قلـم
ما يشتهـي المجـد مغـوار وميـزان
الجهبـذ البـارع الماضـي مهـنـده
لمنهـج الوحـي حـفـاظ وصــوان
الفلسفـات تهـاوت عـنـد صولـتـه
كما تهـاوى أمـام الضيغـم الضـان
وحطـم المنطـق المفتـون نـاظـره
وكـل مـا أسسـت للشـرك يونـان
وللنصـارى صـراخ عنـد جولـتـه
وللـروافـض نـــوَّاح وأنَّـــان
وللتـصـوف أرصـــاد مسـنـنـة
مثـل الشهـاب إذا مـا نـد شيطـان
إذا تأنـق فـي المنـقـول مجتـهـد
وإن تعمـق فـي المعـقـول ربــان
كم جاء من بعده في العلـم مـن علـم
فلـم يقـاربـه فيـمـا رام إنـسـان
والكل مـن بحـره الزخـار مغتـرف
تفيـض منـه الروايـا وهـو مـلآن
"درء التعارض " و"المنهـاج " شاهـدة
وفي "الجـواب " أعاجيـب وبرهـان
وفي الفتـاوى كنـوز طـاب معدنهـا
وفي "البيان " علـى التعطيـل بركـان
وفهمـه فـي كـتـاب الله معـجـزة
تحـيّـر العـقـل تـأويـل وتبـيـان
والفقـه بالحجـة البيضـاء حــرره
فقولـه الفصـل والمعـيـار قـبّـان
مـاذا تُعـدِّد مـن جُـلَّـى مناقـبـه
وهـل يقـوم لمـوج البحـر حسبـان
وهكذا الشام مـا شاخـت ولا عقمـت
إذا تـدفـق بـالإســلام شـريــان
عهدي بها وعـرى التوحيـد تجمعهـا
وشأنهـا اليـوم أحــزاب وأديــان
فللنـصـارى حكـومـات وألـويـة
وللقرامـطـة الأنـتـان سـلـطـان
وللـدروز بـروز فــي محافلـهـا
وللـروافـض نــواب وأعـيــان
أمـا اليهـود فقـل عنهـم ولا حـرج
الدهـر يعجـب والتاريـخ سـكـران
لولا حجارة أرض الطهر مـا عرفـوا
طعم العقـاب ولا أصغـوا ولا هانـوا
ثـارت تزمجـر والتكبيـر يرفعـهـا
وهـز نخوتـهـا قـهـر وعــدوان
هَـبْ الحكومـات بالإرهـاب تخنقهـا
أليس فـي صمتنـا للرفـض عنـوان
ربائـب الـروم بالقوميـة استـتـروا
خانـوا الشعـوب وهـم لله خــوان
يشكـون بالـذل ممـا سامهـم "نتـن"
وهـم مـن الأصـل أعيـار وأنتـان
كم أضجر الناس عهد الشجب كم لعنوا
أبواق مـن نـددوا باللفـظ أو دانـوا
وللبيـانـات أسـجــاع مـكــررة
يقـيء منهـا علـى الإعـلام أذهـان
ثم انتكسنـا فلاشجـب ولاأمـل فـي
الشجـب فالأمـر تهويـد وإذعــان
أستغفـر الله بـل شجـب وولـولـة
إذا تخـبـط "رابـيـن " و"كـاهـان "
وأصبـح الهيكـل الموهـوم كعبتهـم
وشيكـل النحـس للبتـرول أثـمـان
والبعث لابعث بـل خسـف ومهلكـة
بئـس الشعـارات إلحـاد وكـفـران
الكفـر محكمـة التفتيـش تحـرسـه
والنـاس صنفـان ثــوار وثـيـران
قامت علـى نحلـة التثليـث دعوتهـم
فللأقـانـيـم أشـكــال وألـــوان
سـودٌ خيانتـهـم حـمـرٌ جنايتـهـم
وحسبهـم أن إحـداهـا "حـزيـران"
فروا وهم في ذرى الجولان -يا عجباً-
من اليهود وهم في السهـل مـا بانـوا
وأعلنـوا أنهـا فـي يومهـا سقطـت
والساقطـون هـم الحكـام إذ خانـوا
لم يسكتوا وضباب الرعـب يغمرهـم
عند النـزال ولاهـم للحمـى صانـوا
وللعمـائـم تطـبـيـل وبـهـرجـة
يغـار إبليـس منهـا وهــو فـتـان
وربمـا أخَّـر الـدجـال مخـرجـه
إذ لا مكـان لـه والـقـوم جـيـران
أهـذه الـشـام أم عيـنـاك زائـغـة
وربمـا زاغ طـرف وهـو يقـظـان
وشْـيٌ بديـع كسـونـاه حضارتـنـا
كيف انطـوى فهـو أطمـار وخلقـان
فانفـض يديـك مـن الدنيـا وزينتهـا
فإنـمـا هــي أطـيـاف وأطـيـان
واتل الرثـاء علـى الأطـلال مفتتحـاً
(لكـل شـيء إذا مـا تـم نقـصـان
مهما غلا الدمـع فالمأسـاة ترخصـه
أو لم تجـد فاستـدن فالصـب يـدّان
أهـل الصبابـة دعـواهـم مُـزَوَّقـة
لولا المدامـع مـا بـروا ولا مانـوا
واعجب لنا كيف صار الضيم يجمعنـا
فنحـن فـي القيـد أقـران وإخـوان
وانظر إلى موطـن الأبـدال مرتهنـاً
يلـهـو بمغـنـاه دجــال وزفــان
يقـول يـارب هـذا الليـل أثقلـنـي
فهـل لـه آخـر بالفـجـر مــزدان
وهـل إلـى رمـق بالبشـر معتـنـق
يـزفـه مــورد بالـعـز ريـــان
أو تنقضـي هـذه الأحشـاء ذاويــة
وتنضـب الـروح والمشتـاق ولهـان
لا، ليس لليـأس درب فـي مشاعرنـا
مهمـا تنـاوب لــلأرزاء حـدثـان
بقيـة السيـف بالأبـطـال ممـرعـة
والثـأر جـرح فإعصـار فطـوفـان
وللبطـولـة عـشــق لا يـبــدده
وصـل ولا يعتريـه الدهـر سلـوان
وللعـقـيـدة آســـاد مـشـمــرة
لـكـن تكنفـهـا قـهـر وطغـيـان
هـم الأحبـة إن زاروا وإن هجـروا
هـم الأخـلاء إن حلـوا وإن بـانـوا
أرض البطولات يـا أسمـى معاقلنـا
إذا ألـــمَّ بـديــن الله عـــدوان
ذات القـرون إذا حانـت ملاحمـهـا
ففـي رحابـك فسـطـاط ومـيـدان
نجـوز تيـه الفيافـي كـي ننازلـهـا
ونمتطي البحر نصـواً وهـو هيجـان
ونركب الخيـل عريـا وهـي حانقـة
وللمنـايـا كـلالـيـب وأشـطــان
نقـارع المـوت والأهـوال محـدقـة
ونعتلـي الريـح والأجـواء نـيـران
أتعجبـيـن لأن الـكـفـر أوثـقـنـا
حينـاً وقـد شهـدت بالنصـر أحيـان
أم تجزعـيـن لأن الظـلـم فرقـنـا
أللمشـاعـر حــراس وخــزان؟!
هذي الحـدود رمـاح فـي محاجرنـا
فليزعمـوا أن هـذا القلـب أوطــان
من وقعوا "سايكـس بيكـو" وإخوتهـا
متى اعترفنا بهم؟! هل نحـن قطعـان
الحـمـد لله حـبـل الله يجمـعـنـا
فــلا تفرقـنـا قـيـس وقحـطـان
أم تعتبيـن فبعـض الصفـح موجـدة
للمستهـام وبعـض العتـب غـفـران
والله لا نستقيـل الحـب مـا برحـت
منـا علـى البعـد أكبـاد وأجـفـان
فليكتـب الأرز ولتمـلـل ضمائـرنـا
ما شئت مـن موثـق وليشهـد البـان
مع تحياتي
محمد زكي
أم يحجب الطيـف أسـوار وجـدران
قـد استوينـا فكـل رهـن محبسـه
للظلـم مـن حولـه سـوط وسجـان
لنـا إذا هبـت الأنـسـام لاعـجـة
من حرقـة الوجـد فالأكبـاد نيـران
يغشى الأسى ناظرينا كلمـا ومضـت
فـي الأفـق بارقـة تخبـو وتـزدان
إذا تـألـق فــي عليائـهـا أمــلٌ
هوى إليـه هـوىً وانسـاب ألحـان
لا عتـب أن فرقتنـا للنـوى سـبـل
فالدهـر ذو دولـة والوصـل ميـان
وهكـذا تنـضـب الأرواح نـازفـة
بكـل جـرح مـرارات وأشـطـان
لـم يبـق إلا صبـابـات نجاذبـهـا
لا ترتوي فالجـوى باليـأس حـران
نباكـر الغَـمَّ فـي الإصبـاح متقـداً
وفـي العشيـة آهــات وأشـجـان
تطير أرواحنـا شوقـاً ولـو قـدرت
طـارت إليكـم مـع الأرواح أبـدان
أنتم ندامى الهـوى مـا للهوى بـدل
منكـم إذا سامـر المشتـاق نـدمـان
لسنا من الحب في شيء لو انصرفت
عنكـم صبابتنـا أو ضـل وجــدان
نسلـو الحيـاة ولا نسلـو تذكـركـم
وهل تـداوى بغيـر الذكـر ولهـان
وحسبكم أنكـم فـي القلـب مسكنكـم
حيث الأسى راتـع واليـأس حيـران
عسـى تراسـلُ أشــواقٍ يعللـنـا
وربمـا خفتـت بالشـوق أحــزان
أواصر الحب كـلُّ الحـب تجمعنـا
رغم القيود أمـا قـد قـال حسـان :
إمـا سألـت فإنـا معشـر نـجـب
الأزد نسبتـنـا والـمـاء غـســان
وكـل نـاعـورة بالـشـام نـادبـة
عهد الوصال فهـل للهيـض جبـران
الله أكبـر! هــذا الظـلـم فرقـنـا
وللمقـاديـر إيــلاف وإظـعــان
كأنـه لـم يكـن بالمـرج مرتعـنـا
ولم يكن في ربـى جيـرون جيـران
ولم يكن في الثغور الغـر مرصدنـا
وفـي المضائـق حـراس وسـكـان
وفـي السواحـل نيـران وأربـطـة
وفـي الجزيـرة أحبـاب وإخــوان
وفـي المدائـن أنـسـاب مؤلـفـة
وفـي العشائـر أصهـار وأخـتـان
وأعذب الحـب مـا كانـت مـوارده
بالقـدس ، أواه هـل للقـدس نسيـان
إذا تضـاءل هـذا الحـب عـن بلـد
ففـي مرابعـكـم فــيء وأكـنـان
تالله مـا الغوطـة الغـنـاء منيتـنـا
وفـي مسارحهـا للحسـن غـزلان
ولا رســوم لأجــداد بساحتـكـم
إذ كــان يملكـهـا أزد وزهــران
ولا صبـا بـردى يسبـي مشاعرنـا
لكنـمـا حبـكـم ديــن وإيـمـان
من البراق أصول الحبّ قـد بزغـت
وقد أضاءت لهـا بصـرى وحـوران
إذا سرى الطيف منكم وانثنى سحـراً
يهيـج بالقلـب لـلإسـراء عـنـوان
لله حــبٌ، رســول الله أسـسـه
وهـل لنـا غـيـره أس وأركــان
وقـام مـن بعـده الصديـق يـورده
والشرق والغـرب نيـران وصلبـان
بعزمـةٍ عقـد الـرايـات مرتقـبـاً
بشرى الرسول وأمضى وهو عجـلان
وقـال: (إن لـم نبادرهـم بمعمـعـة
تنسي الحلـومَ فـلا كنـا ولا كانـوا
والدهر ما عـزم الصديـق مرتجـف
والأرض مائـدة والبحـر طـوفـان
إذا تحـنـن فالإعـصـار مرحـمـة
وإن تـوعـد فالأنـسـام حسـبـان
يعطـي وليـس لمخلـوق عليـه يـد
إنفاقـه حسبـة، والعتـق إحـسـان
دع ليلـة الغـار فالقـرآن خلـدهـا
تقاصـرت همـم عنـهـا وأزمــان
والروم قد أثخنت في الفرس عن حنق
فالشام قلـب وباقـي الملـك جثمـان
حـلاوة النصـر لازالـت تداعبـهـا
ونشوة النصر فـي الطغيـان طغيـان
لكـن قلـب هرقـل َ واهـن وجـل
تصارعـت فيـه أنــوار وأوثــان
لديه من سابق الأخبـار عـن سلـفٍ
مـن النـبـوات آيــات وبـرهـان
شمس الرسالة هـذا حيـن مطلعهـا
فلتبتهـج بسنـا الرحـمـن أكــوان
"ساعير " و"الطور " للإسـلام تقدمـةٌ
والنور تعلنه فـي الأرض "فـاران "
والله يختـار ممـا شــاء مرسـلـه
والخلـق ليـس لهـم رأي ولا شـان
والملك في فـرع إسماعيـل منتقـل
حتمـاً ولـو كرهـت روم ويـونـان
ملك الختان بدا فـي الأفـق شاهـده
فبان أن الملـوك القلـف قـد بانـوا
وأخمدت نار كسـرى حيـن مشرقـه
واهتـز بالشرفـات الشـم إيــوان
تـلا كتـاب رسـول الله فــي أدب
وقـال للـروم والأرصـاد حيطـان:
هـذا الرسـول الـذي كنـا نؤملـه
فالعيـن نائمـة والقـلـب يقـظـان
وهـذه الشـام للمبعـوث عاصـمـة
للسيـف ظـل وللزيتـون أغـصـان
إن اتبعـنـاه فالدنـيـا لـنـا تـبـع
وسائـر النـاس خــدام وولــدان
وإن أبيـنـا فـأمـر الله غالـبـنـا
وملكنـا ضائـع والسعـي خسـران
نعمْ! "هرقل ُ" لقد أسمعـتَ ذا صمـم
لـو كـان للـقـوم آذان وإذعــان
أبـت بطارقـة الرومـان موعـظـة
وغـلّ أحلامهـم كـبـر وبهـتـان
والكبر ما كـان فـي طياتـه حسـد
فشـر وادٍ تــردى فـيـه إنـسـان
إلا "ضغـاطـر " إن الله أكـرمــه
وقـال: يـا قـوم إن الحـق فرقـان
محمد نحـن فـي الأسفـار نعرفـه
فكيـف يوبقنـا فـي الكفـر نكـران
تواتـرت عنـدنـا أنـبـاء بعثـتـه
فالخلـق ينتظـرون الإنـس والجـان
لولاه ما هاجر الأحبـار واصطبـروا
على لظـى يثـرب والشـام أجنـان
وللنـبـوة أعــلام إذا نـشــرت
أصغـى وأبصرهـا بكـم وعمـيـان
وحي يصـدق بعضـاً بعضـه أبـداً
تـوراة موسـى وإنجيـل وقــرآن
والـحـق أولــه مـهـد لآخــره
جبريـل ناموسـه والرُّسْـل إخـوان
تقـدس الله أن يدعـى لــه ولــد
أو أن يكـون لـه نــدٌ وأعــوان
وكلكـم عـارف مـا قلـت فاتبعـوا
حكيمـة النمـل إذ وافـى سليـمـان
فأشعيـاء حكـى أوصـاف طلعـتـه
كمـا حكـى صـورة بالرسـم فنـان
ودانيـال فـقـد جــاءت نبـوتـه
نصاً كمـا يبصـر الإنسـانَ إنسـان
وفـي المزاميـر يأتـي أحمـد فـإذا
كـل الجزائـر والأنهـار خضعـان
وسـوف تُخـدِمـه أقيالَـهـا سـبـأ
وسـوف تتحفـه بـالـورد لبـنـان
ويهرع النـاس نحـو البيـت عاريـة
أطرافهـم ولهـم عــج وألـحـان
تـهـدى إلـيـه قرابـيـن مقـلـدة
تسوقهـا حسبـة مصـر ومـديـان
وفي شكيـم لـه جيـش ذوو غـرر
يقتـص ممـا أراقـت قبـل رومـان
وأرض بابـل يعنـو سحرهـا هلعـاً
إذا تـرنـم بالتهـلـيـل عـربــان
هـم أمـة الحمـد والتكبيـر ديدنهـم
إذا علـوا شـرفـاً أو لاح عـلـوان
وفـي النهـار ليـوث لا يسـاورهـا
غمر وهم في ظـلام الليـل رهبـان
هذا هو الملكوت الحـق قـد بزغـت
أنـواره فالدجـى المبهـور وسنـان
كأننـي أبصـر الأمــلاك تحمـلـه
وهـم صفـوف لمـبـداه وفـرقـان
وذا المبـارك باسـم الـرب مقدمـه
بنـوره محفـل الأمـلاك زهــوان
تمت على الحجر المرفـوض نعمتـه
فصار تـاج الـذرى والديـن بنيـان
أيخـفـض الله بنيـانـاً ونرفـعـه؟
ويصطفـي الله مخـتـاراً ونخـتـان
ويبتـلـي الله تقـوانـا فيلبـسـهـا
مـن التعصـب إغـمـاط وشـنـآن
فمزقـوه وقـد كـان الإمـام لـهـم
لكـن تملكـهـم بـغـي وأضـغـان
كانت دمشـق تـرى هـذا وتسمعـه
كذاك أصغت لقـول الحبـر جـولان
وكـل مؤتمـر فـي أي محتـضـر
غيـر السقيفـة أسـمـارٌ وبـطـلان
بكـى هرقـل ولكـن كـان ذا جلـد
وقـال قولـة نصـح وهـو لهـفـان
يا أيها الـروم إن لـم تسلمـوا فلنـا
في الصلح خير وبعض المر حلـوان
وملـك أحمـد حـد الشمـس مبلغـه
والترك مـن جنـده والصيـن أقنـان
وسوف تسجد روما وهـي صاغـرة
مهمـا تـقـادم أجـيـال وأزمــان
قالـوا: أندفـع للأعـراب جزيتـنـا
أبنـاء هاجـر هـم للـروم عـبـدان
فقال: يا ليتني عبـدٌ لأعسفهـم مُلكـاً
ولا ملـك لــي فيـكـم ولاشــان
وكنت ألثم مـن خيـر الـورى قدمـاً
يحـيـى بقبلتـهـا روح ووجــدان
وقـد تمنـى مسـيـح الله خدمـتـه
وحمـل نعليـه والإنجيـل بـرهـان
ثم انثنـى مـن وراء الـدرب مكتئبـاً
إذ أقبـلـت لجـنـود الله فـرسـان
وكان ما كـان ممـا الدهـر سجلـه
وشاهـدت آيـه حمـص وبيـسـان
ملاحـم الحـق واليرمـوك رايتهـا
فاضت بها من روابي الشـام شطـآن
وكلمـا أوقـد الـرومـان ملحـمـة
هـوى لنـا شهـب وانقـض عقبـان
جئنا صقوراً علـى شقـر مضمـرة
وهم على الدهم يوم الـروع غربـان
قد انتضينا سيوف الحـق ليـس لهـا
في النقع إلا جسـوم الـروم أجفـان
وللبـطـولات أصــداء مزلـزلـة
سارت بها في فجاج الأرض ركبـان
فمـا تظـن بجيـش فـي ذؤابـتـه
أصحـاب بـدر وسيـف الله أركـان
ملائـك الله بـالإرعـاب تنصـرهـم
لهم مـن الذكـر أحـراز وأحصـان
تمضي القرون ونون الدهـر عاجـزة
عن كتب أمجادهـم والسطـر عيـان
ودِّعْ -هرقل ُ- وداعـاً لا لقـاء لـه
ضاع الهـوى فقـد الأحـلام هيمـان
ودِّعْ على حسرة مـا كنـت تعشقـه
مراتع العـز حيـث الملـك جـذلان
غال الحقيقـة قـوم أُترعـوا بطـراً
كما قد اغتالهـا فـي الديـر رهبـان
فاقنع بمشطور ملك الروم مـا بقيـت
مـن البطاقـة أطــلال وعـنـوان
ومـن يعظـم رسـول الله يجـز بـه
دنيـا إذا فاتـه ديــن ورضــوان
والحـمـد لله صــان الله ملـتـنـا
من مثل ماعاث "قسطنطين " أو جـان
وأورث الله أرض الأنبـيـاء لـنــا
والسيـف للسيـف أكفـاء وأقــران
والروم ما شئت من رأي ومـن عـدد
لكنمـا الأمـر توفـيـق وخــذلان
وإنمـا خـذل الرحمـن مجمعـهـم
كيـلا يمـن علـى الإسـلام مـنـان
وكـي يظلـوا عـدواً دائمـاً أبــداً
لا يستكيـن لهـم حقـدٌ وأضـغـان
والشام بالشوق قـد أخفـت شماتتهـا
والحـب يوقـده للـصـب كتـمـان
يا شام قد لاحت البشرى علـى ظمـأ
واستشـرف الفجـر أكمـام وسيقـان
حان اللقاء فتيهـي وارقصـي جـذلاً
فموكـب الشـوق للأعـراس بستـان
أبـو عبـيـدة والتـقـوى تــجلله
هشـت لملـقـاه آكــام ووديــان
وعانقتـه دمشـق وهــي غـارقـة
في سكرة الحـب والمشتـاق نشـوان
قالت: ألا أرتوي من مبسـم سقطـت
منـه فـدى لـرسـول الله أسـنـان
هذا العفاف وهـذا الزهـد أذكرنـي
يحيى الرسول فقل لـي كيـف أزدان
ياحبـذا النـور نـور الله يغمـرنـي
وحبذا الجنـد جنـد الله مـن كانـوا
هذا الحـواري لامـا كنـت أحسبـه
إذ للنواقيـس فـي الأرجـاء إعـلان
هـذا الأميـن كنـوز الأرض تطلبـه
وكـم سباهـا مـن الأحبـار خـوان
والزهد فـي الفاتحيـن الغـر منقبـة
مـا نالهـا قـط عربـيـد ودنــان
سل الفتـوح التـي كانـت شريعتهـا
ما سار "اسكندر ٌ" أو سن "ساسـان "
يـا مـن وسادتـه تـرس ومسكنـه
خـص ومـزوده مـلـح وأشـنـان
مـا الشـام قبلـك إلا مقبـر خـربٌ
تناثـرت فـيـه أشــلاء وأكـفـان
نور مـن الرحمـة المهـداة مقتبـس
أضـاء والشـام أدغـال وغـيـران
إذا تزينـت الدنـيـا بـكـى فـرقـاً
متاعـهـا عـنـده زور وبـهـتـان
رديـفـه سـيـد الفتـيـان قاطـبـة
مـن حشـو بردتـه علـم وإيـمـان
أغر أبيـض يحكـي البـرق مبسمـه
وكــل منـطـقـه در وعـقـيـان
الذاكـر الله إن قامـوا وإن هجعـوا
الذكـر روح لـه والصـوم ريحـان
قـل يـا معـاذ فأبنـائـي تـلامـذة
إذا نطقـت وزهــر الـربـع آذان
وهامت الشام شوقـاً أن تـرى عمـر
هو الزعيم وهـذا الصحـب أعـوان
يا شام قد أقبـل الفـاروق فابتهجـي
فالجـو مـن عبـق الفـاروق ريـان
والأرض تهتـز رعبـاً مـن جلالتـه
ومن مهابتـه فـي السحـب رعـدان
سكينـة الحـق تعلـو وجهـه أبـداً
فلا يواجهـه فـي الـدرب شيطـان
وأينمـا سـار فـي مغنـاك موكبـه
طابـت بممشـاه أعـطـاف وأردان
مـحـدَّث ملـهـمٌ جــمٌّ مناقـبـه
العبقريـة مــن سيـمـاه تــزدان
أستغفر الله هـل شعـري يحيـط بـه
وصفاًولـو أن هـذا البحـر ديـوان
وهو الـذي طالمـا جـادت فراستـه
رأيـاً فوافـقـه بالـوحـي قــرآن
يا حظ "جابية " بالركب قـد شرفـت
وسائـر الشـام إصغـاء وإذعــان
هنالـك ارتجـل الفـاروق رائـعـةً
فيهـا مـن الحـق دستـور وتبيـان
جلَّى من الخطـة البيضـاء منهجهـا
هـو اجتمـاع وإخـلاص وإيـقـان
وفجأة ضج هـذا العـرس وانقلبـت
أفراحـه مأتمـاً تغـشـاه أحــزان
نـادى بـلال فأبكـى الشـام قاطبـة
الصـوت مختنـق والحلـق غصـان
أثـار ذكـرى رسـول الله فانتحبـت
وهـل لذكـرى رسـول الله سلـوان
لم يستطع لاسمـه لفظـاً وحـق لـه
إذ لوعة الحزن في الأحشـاء نيـران
فتلك أصداؤه في الشـام مـا سكنـت
السهـل مستعبـر والسفـح حـنـان
من كان فـي المـلأ الأعلـى أحبتـه
فـلا يـعلله فــي الأرض خــلان
رمضـاء مكـة تتلـو بعـده "أَحَـدٌ"
و"الله أكبـر" فـي الآفــاق رنــان
وصخرة القـدس تـدري أن فارسهـا
نظـيـر يـوشـع لاروم وكـلـدان
لمـا تسلمهـا الـفـاروق طهـرهـا
كما علـى الطهـر أبقاهـا سليمـان
يا فاتح القدس إن القدس قـد سلبـت
وغالهـا بعدكـم "ليفـي " و"دايـان "
وباعهـا الزمـرة المستسلمـون كمـا
باع الحطيم بـزق الخمـر "غبشـان"
الله والـنـاس والتـاريـخ يلعنـهـم
فهـم علـى الـذل أعيـار وأنـتـان
لا دينَ لا غيـرةً لا عقـلَ لا رشـداً
العـار مكسبهـم والـدرب غـيـان
على اليهـود هـم الأغمـار خانعـة
لكـن علـى قومهـم عبـس وذبيـان
الخزي والخسـر والشحنـاء ديدنهـم
لا يستقيـم لهـم أمــر ولا شــان
محـض العـداوة للإسـلام يجمعهـم
وهم مـن الكفـر أصنـاف وألـوان
ولا تراهم علـى خيـر قـد اتفقـوا
وهم علـى الشـر أنصـار وأعـوان
مما أراقوا وممـا أهـدروا وطغـوا
ضجـت إلـى الله أفـواه وأوطــان
كـل القداسـات داسوهـا بأرجلهـم
باسم السلام وكم ذلـوا وكـم هانـوا
حادوا عن الرشد قصداً واستبـد بهـم
فـي لجـة التيـه إيغـال وإمـعـان
أعفّ عن ذكرهم إذ نحن فـي سمـر
عن الأُلـى ذكرهـم روح وريحـان
صحابة المصطفى خير الورى أثـراً
مـا رام منزلهـم إنـس ولا جــان
لهم أحاديث في الإخلاص لو قرئـت
على الجلاميد أمسـت وهـي كثبـان
لـولا الرسـول لمـا كانـوا أساتـذة
والناس من حولهـم للمجـد صبيـان
هم زينـة الدهـر والتاريـخ يلبسهـم
تـاجـاً يرصـعـه در ومـرجــان
لولا الرسـول لمـا كانـوا عباقـرة
فالوحـي للفطـرة الصمـاء بركـان
هم الهداة الأُلى مـن نـور حكمتهـم
عـم الحضـارة إنصـاف وعرفـان
إن الحضارة روح ليـس مـا نحتـت
مـن التماثيـل يـونـان ورومــان
أين التسامح أيـن العـدل إن صدقـوا
أيـن المواثيـق هـل للكفـر ميـزان
تلك الشعارات زيـف يخدعـون بـه
وهم على الظلـم والعـدوان أخـدان
أيـن المـآذن فـي أرجـاء أندلـس
إذ ظـل بالشـام أديـار وصلـبـان
إنـا علـى العهـد لا نختـان ذمتنـا
ولا نجـور وإن جـاروا وإن خانـوا
منّـا تعلَّـمـتِ الدنـيـا كرامتـهـا
إذ الفرنـجـة قطـعـان وغـيـلان
متى رعوا حرمـة أو راقبـوا ذممـاً
روس وصرب وإيطـال وأسبـان؟!!
العدل في القول والأحكـام شرعتنـا
إن الهـوى للضميـر الحـي فـتـان
هم أمنع الناس من ظلم الملـوك لهـم
إلا علينـا فـإن الظـلـم إحـسـان
وإن تر الـروم فيمـا بينهـم عدلـوا
فهم علـى غيرهـم بغـي وعـدوان
فانظر لأذنابهم في الشرق إن حكمـوا
روم ولكنـهـم سـمـر وســودان
وإنما اقتبسـوا مـن ضـوء سيرتنـا
مـا أيقنـوا أنـه للمـلـك أركــان
لولا المساواة والشورى لمـا غلبـوا
ولا استقر لهم فـي الأرض عمـران
ونحن لما انحرفنـا صـار حاضرنـا
في الجاهليـة حـالاً كالـذي كانـوا
نقـدس "الفـرد" أيـاً كـان منهجـه
"الفرد" نصـب وكـل النـاس سُـدّان
فدينهـم دينـه والـشـرع شرعـتـه
ولغـوه سـنّـةٌ والأمــر قــرآن
يا شـام معـذرة زاغ الحديـث بنـا
والهم في النفـس أشتـات وأشجـان
أكْـرِمْ بقـوم شــروا لله أنفسـهـم
فالملـك عاريـة والـروح قـربـان
نالـوا الشهـادة إذ قامـت وسائلهـا
بكـل جنـب فطـاعـون وطـعـان
في المرج رهط وفي عَمْواس طائفـة
حُـمَّ القضـاء ومـا للقـوم أكـفـان
ما مات قـوم أبـو الـدرداء خَالِفُهـم
أنسـى بحكمتـه مـا قـال لقـمـان
سل قلعة النصر والإصرار هل بقيـت
مـن آل حاميـم أصــداء وبنـيـان
إذ جاء من طيبـة الغـراء مصحفهـا
لمـا اعتنـى بكـتـاب الله عثـمـان
الله يجزيـه خيـراً مـا سمـى أحـد
ومــا تـألـق بالترتـيـل نعـمـان
لولاه كنـا كأهـل الديـر إن قـرأوا
"متى " يكذبـه "يوحنـا " و"سمعـان "
هـذا الحكيـم أبـو الـدرداء يقـرؤه
والناس للمشـرع المـورود زلفـان
معلـم الخيـر بالإحـسـان يـذكـره
في البر نمل وفـي اللجـات حيتـان
بكت دمشـق زمانـاً مـن مواعظـه
وفـي القلـوب ينابـيـع وصـلـدان
وإن ألمت به فـي الـرأي معضلـة
يمـده خابـر الأديــان "سلـمـان "
القـول إن قـال أمثـال مصـرفـة
والفعـل للمقتـدي هـدي وإحـسـان
يجلو قلوبـا يغشِّـى الـران رونقهـا
ويرتقـي بالتـي فـي نورهـا غـان
والتابعون مـن الآفـاق قـد وفـدوا
أزد وقـيـس وأنـمـار وخــولان
فللجـوامـع أحـبــار محـلـقـة
وللـربـاط صنـاديـد وفـرســان
حياك يا أمـة التوحيـد مـا طربـت
ورق ومـا ثملـت بالشـدو أفـنـان
ولـى هرقـل وولاهــا معـاويـة
فعلَّـم الـروم أن اليـأس سـلـوان
الحلـم شيمـتـه والـغـزو همـتـه
أرسى السفيـن كـأن البحـر قيعـان
مـا بيـن شاتيـة تغـدو وصائـفـة
مـا فـل عـزم ولا وافـاه خـذلان
والصافنـات أبـو أيـوب يزجرهـا
وللمنـايـا أخـاديــدٌ وخـلـجـان
يا أشرف الصحب داراً طاب مضطجعٌ
بساحة الروم نائـي الـدار ضحيـان
جعلتـه معلمـاً يـذكـي عزائمـنـا
إذا تخبطـهـا دنـيـا وشـيـطـان
ثم انبرى الخثعمـي الشهـم يوردهـا
أصفى الموارد عـزاً وهـو نهـلان
لله هـذا الفتـى مـا كـان أعظـمـه
لانت صخور الرواسي وهو صـوان
ستون عامـاً قضاهـا فـي مرابطـه
لـم توقـد النـار إلا وهـو يقظـان
وفـي جـنـادة لـلأعـداء مـأسـدة
والغامـدي الأبـي القـرم سفـيـان
وهـل رأيـت حبيبـاً حبـه لـهـب
إذا أديـرت رحاهـا فهـو طـحـان
يا شام ساء صباح الروم قـد نزلـت
بساحـة الـروم أهـوال وشجـعـان
ما أصبحـت بالكمـاة الشـم مترعـة
وعسهـا الليـل إلا وهــي جـبـان
وظــل ديدنـنـا هــذا وديدنـهـم
حتى اعترانا البلـى والسعـد ظعـان
هنا استبـدت بنـور الحـق غاشيـة
وسـنـة الله أن الـزيـغ غشـيـان
ومن يزيد إلـى الحجـاج مـا فتئـت
تشكـو مـن الظلـم أنحـاء وأعيـان
والظلم شؤم وشر الظلـم مـا ولغـت
فيه الملـوك وأثـرى منـه سلطـان
والناس إن بايعـوا والسيـف يخفقهـم
فلفظهـم مــادح والقـلـب لـعـان
والناس تخدع مـن بالزيـف يخدعهـا
تطيعـه صـورة والسـر عصـيـان
والكسرويـة فـي الإسـلام محدثـة
أكلمـا مـات حـرب قـام مـروان
وفـي أمـيـة لـلإسـلام مـأثـرة
كـمـا لـهـم ثلـمـة والله ديــان
إن كفَّر الله عنهـم بعـض ماعقـدوا
واستأثـروا فبمـا أمضـى سليمـان
لكـن للعـدل كَـرَّاتٌ وإن نــدرت
تذكر النـاس بالشـورى متـى بانـوا
وكـان أول وعـد صــادق عـمـر
تبـارك الله عيـن الـعـدل إنـسـان
الراشـد الماجـد الميمـون طـائـره
عليـه مـن سمـة الفـاروق تيجـان
فاعجب له عمـراً يقفـو خطـا عمـر
كمـا همـى صيِّـبٌ يتـلـوه هـتـان
يـا واعظـاً وعـظ الدنيـا بسيـرتـه
روح مـن الرشـد لاحيـف وإدهـان
والظالمـون لهـم يـوم سيفجـؤهـم
إذا تسربلـهـم نـــار وقـطــران
تاريخنـا هـكـذا حيـنـاً عمالـقـة
غـر وحينـاً طواغـيـت وأوثــان
هـذا يبيـت ثقيـلاً مــن مظالمـهـا
وذاك للـرد والإنـصـاف سـهـران
وكـم توثـب فينـا ثعـلـب خَـتِـلٌ
ودبـر الملـك قيـنـات وخصـيـان
وكـم تحكـم باسـم الديـن طاغـيـة
وكـم تحكـم باسـم العـلـم كَـهّـان
وكـم رأيـت دعـاة الحـق يقذفـهـم
بلعـام ُ واستخـدم الأشـرافَ دهقـانُ
إذا تـألـه فـرعـونٌ عـلـى مــلأ
فهل يـلام علـى الإفسـاد هامـان ؟
وأغفـلُ النـاس مـن تغلـي رعيتـه
غيظاً ويحسـب أن الصمـت إذعـان
والنـاس ينسـون إلا مـن يجرعهـم
مـرارة الظلـم مـا للظلـم نسـيـان
يدسـه الـجـد للأحـفـاد مستـعـراً
والأم ترضـعـه والـثـدي لـقــان
إذا الفراعيـن سنـوا الظلـم فلسـفـة
تلطـخـت فـيـه أقــلام وأذقــان
باسم السياسة حل الظلـم بـل نسخـت
مـن الشريـعـة أعــلام وأمـتـان
الرعـب يستلـب الأحـلام يقظتـهـا
وبهـرج الزيـف للأنظـار دخــان
ومـرَّ دهـر ودنيـا الشـام خامـلـة
منذ استبـدت بـرأس الأمـر بغـدان
حتى اقتضت سنة الرحمن أن طرقـت
أبوابها مـن جيـوش الكفـر صلبـان
ومـا الفرنجـة إلا معـشـر هـمـج
أخنـى عليـه دهـور وهـو وسنـان
والديـن للنـاس مفـتـاح يحـركـه
باسـم التعصـب صديـق وشيـطـان
وربمـا اعتـذر الشيطـان -سيدهـم-
مما افترى "بطرس " وافتـات "أُربـان"
والترك لما تخلى العرب قـد ورثـوا
عبء الجهـاد فمـا هانـوا ولا لانـوا
شجاعة الترك بالإسـلام قـد زكيـت
ليسـت كمـا ربهـا خـان وخـاقـان
هـم المغاويـر لا ريـث ولا وجــل
هــم العمالـيـق خـيـال وسـفـان
لا ترتوي مـن دمـاء الـروم أنفسهـم
بـل نابهـم لهـث عنـهـا وإدمــان
فإن شككـت فسـل عنهـم عطارفـة
لـمـا تعـاورهـا روس وشيـشـان
هم وحدهم قد أذاقوا الـروس ملحمـة
والروس للغرب كـل الغـرب أقـران
والشام أبطالهـا مـن حـاط ساحتهـا
ولا تبالي متـى جـاءوا ومـن كانـوا
وهكذا جـاء نـور الديـن فابتهجـت
في السهل عرس وفي الأبراج أحضان
أتـى إلـى حلـب الشهبـاء ينقـذهـا
إذ كـان لطخهـا بالرفـض رضـوان
وجـاء بالسـنـة الـغـراء يبعثـهـا
هـداً لكفـر العبيديـيـن إذ خـانـوا
خمسون حصناً بحد السيـف حررهـا
وكلهـا بالعـلـوج الشـقـر مــلآن
قــد عـاهـد الله أيمـانـاً مغلـظـة
وهو الصـدوق وإن لـم تعـط أيمـان
ألا يُرى ساعـة فـي الدهـر مبتسمـاً
ولا يقـر لــه حــال ولا شــان
مـادام فـي حـوزة الكفـار مسلمـة
يسومهـا الفحـش دعـار ومـجـان
ولا يــظلله سـقـف ولا كـنــف
مـا قـام للسيـف إعمـال وإثـخـان
ما نال من بيت مـال المسلميـن يـداً
وإنمـا رزقــه بالـوقـف دكــان
وزوجـه تنسـج الأستـار صائـمـةً
نهارَهـا وهـي للإفـطـار أثـمـان
دار الحديـث بناهـا فهـي سامـقـة
والعلـم أس وباقـي الأمـر بنـيـان
ألغى المكوس وأقصـى مـن تأولهـا
والسحت مهما طغى غبـن وخسـران
والعدل والنصر مصفودان فـي قـرن
ومنتهـى الظلـم إدبــار وخــذلان
شـر الملـوك الـذي يختـان أمـتـه
فـي رزقهـا فهـو مكـاس ومـنـان
قـل للمرائـي بـلا جهـد ولانصـب
أقصـر لُعنـت فخيـر منـك قزمـان
وحسـب محـمـود الأواب مفـخـرة
أن الـرسـول أتــاه وهونـعـسـان
وقـال: شأنـك والعلجـيـن إنهـمـا
رامـا أذاي كـمـا يـنـدس ثعـبـان
فجـاء طيبـة يحـدو العيـس جاهـدة
وأحبط المكـر فـوراً وهـو غيـران
وحـاط أطهـر رمـسٍ مـن قواعـده
فالـردم مـن آنـك والقطـر أركـان
تبـاً لرومـا فقـد شابـت ذرى أحـدٍ
لمكرهـا واقشعـرت مـنـه لبـنـان
واعجب وإن شئت قل لي كله عجـب
لمنبـر صـاغـه تـقـوى وإيـمـان
عشرون عامـاً ونـور الديـن يحملـه
وللمهـنـدس تـجـديـد وإتـقــان
من العـراق إلـى الأعمـاق يصحبـه
وما رقاه -علـى الإطـلاق- سحبـان
والجيش يسـأل هـذا مـا يـراد بـه؟
إذ جاز في الشرع للإحسـان إعـلان
وإنمـا كـان نـذراً لايـبـوح بــه
للقـدس ، أواه هـل للقـدس جيـران
قد رام أمـراً فكـان المـوت سابقـه
ونيـة الخيـر بالإنـجـاز صـنـوان
وهذه الأمـة العصمـاء مـا شهـدت
إلا بحـق وفـي الأخـبـار تبـيـان
باسم الشهيد لنور الديـن قـد لهجـت
وللكرامـات فـي الأرواح وجــدان
ومـن أتـى الله بالإخـلاص أورثـه
لسان صدق وعقبـى الذكـر رضـوان
مرحى فهـذا صـلاح الديـن ينجـزه
نعـم الخليـفـة لـلإسـلام مـعـوان
أقـام حطيـن فـي التاريـخ ملحمـة
يشدو بها فـي فضـاء الدهـر أكـوان
يا فارس القدس أرض الفتـح تُقْطِعُهـا
ومـا لنفسـك مثـل الجنـد بستـان؟
كم مات من هو أدنـى منـك مملكـة
وكنـزه العيـن أحـمـال وأطـنـان
وأنـت ترحـل لا كنـز ولا نـشـب
ولاعـقـار ولاقـصـر ولاخـــان
المال كالعمر في درب الجهاد مضـى
فـيء ووقــف وأنـفـال وسلـبـان
نفسي فـداء يميـن منـك قـد فلقـت
بالسيف "أرناط " والمنـذور عطشـان
لو افتدى بكنـوز الأرض مـا قُبلـت
إن نـال عـرض رسـول الله فـتـان
أسـرت أقيـال أوروبــا وتعتقـهـم
فشأنـك الـدهـر غــلاب ومـنـان
أخلاقكـم هزمتهـم قـبـل رايتـكـم
فهـل تـزكـى بريـطـان وألـمـان
لايُبعـد الله عـكـا إنـهـا شـهـدت
أن الوفـاء مـع الأنـذال خـسـران؟
إذا قدرنـا فـإن الصـفـح شيمتـنـا
وهـم إذا قـدروا غــدر وخـتـلان
وحيثمـا لاح فـي أرجائهـا ذهــب
أو أبصروا النفـط فالقديـس قرصـان
"غورو " و"ريموند " و"اللنبي " وصاحبه
كـلٌّ علـى الغـي سفـاح وخــوان
قوم تراهم وحوش الحرب مـا غلبـوا
وهـم إذا عجـزوا للسلـم حـمـلان
ألا تراهـم وقـد قـامـت قيامتـهـم
لـمـا تطـلـع لـلإسـلام بـلـقـان
خاطوا الأحابيل باسم السلم واجتمعـت
رغـم العـداوات أحـلاف وأديــان
لاديـن للغـرب إلا حــرب ملتـنـا
وما عـدا ذاك لا تسـأل بمـا دانـوا
يأبى السلاح ويعطـي القـوت تعميـة
فالقـوم صنـفـان جــزار وتـبـان
وهيئـة الأمـم النكـراء مسرحـهـم
ومـن وراء خيـال الظـل أرســان
ونحن نشكـو إلـى الجـزار خادمـه
كيـلا يقـال " أصوليـون" "أفغـان"!!
الـشـام أكـثـر أرض الله معـرفـة
بغدرهـم إذ غزاهـا منـه غــزوان
ومثلهم ما تغشـى الشـام مـن محـن
لمـا تجـبـر هـولاكـو وقــازان
وأقبـل الجحفـل الجـرار مـن تتـر
كأنمـا أُشعلـت فـي الأرض نيـران
ولم تر الشام مـن يحمـي محارمهـا
بـل فـر بالخـزي نـواب وسلطـان
فقـام بالأمـر حبـر الدهـر أجمعـه
دمـشـق مَـدْرَجُـهُ والأم حـــرَّان
قـام ابـن تيميـة فـي نصـر ملتنـا
كصاحـب الغـار والـردات ألــوان
ما شاءت الشام من سيـف ومـن قلـم
ما يشتهـي المجـد مغـوار وميـزان
الجهبـذ البـارع الماضـي مهـنـده
لمنهـج الوحـي حـفـاظ وصــوان
الفلسفـات تهـاوت عـنـد صولـتـه
كما تهـاوى أمـام الضيغـم الضـان
وحطـم المنطـق المفتـون نـاظـره
وكـل مـا أسسـت للشـرك يونـان
وللنصـارى صـراخ عنـد جولـتـه
وللـروافـض نـــوَّاح وأنَّـــان
وللتـصـوف أرصـــاد مسـنـنـة
مثـل الشهـاب إذا مـا نـد شيطـان
إذا تأنـق فـي المنـقـول مجتـهـد
وإن تعمـق فـي المعـقـول ربــان
كم جاء من بعده في العلـم مـن علـم
فلـم يقـاربـه فيـمـا رام إنـسـان
والكل مـن بحـره الزخـار مغتـرف
تفيـض منـه الروايـا وهـو مـلآن
"درء التعارض " و"المنهـاج " شاهـدة
وفي "الجـواب " أعاجيـب وبرهـان
وفي الفتـاوى كنـوز طـاب معدنهـا
وفي "البيان " علـى التعطيـل بركـان
وفهمـه فـي كـتـاب الله معـجـزة
تحـيّـر العـقـل تـأويـل وتبـيـان
والفقـه بالحجـة البيضـاء حــرره
فقولـه الفصـل والمعـيـار قـبّـان
مـاذا تُعـدِّد مـن جُـلَّـى مناقـبـه
وهـل يقـوم لمـوج البحـر حسبـان
وهكذا الشام مـا شاخـت ولا عقمـت
إذا تـدفـق بـالإســلام شـريــان
عهدي بها وعـرى التوحيـد تجمعهـا
وشأنهـا اليـوم أحــزاب وأديــان
فللنـصـارى حكـومـات وألـويـة
وللقرامـطـة الأنـتـان سـلـطـان
وللـدروز بـروز فــي محافلـهـا
وللـروافـض نــواب وأعـيــان
أمـا اليهـود فقـل عنهـم ولا حـرج
الدهـر يعجـب والتاريـخ سـكـران
لولا حجارة أرض الطهر مـا عرفـوا
طعم العقـاب ولا أصغـوا ولا هانـوا
ثـارت تزمجـر والتكبيـر يرفعـهـا
وهـز نخوتـهـا قـهـر وعــدوان
هَـبْ الحكومـات بالإرهـاب تخنقهـا
أليس فـي صمتنـا للرفـض عنـوان
ربائـب الـروم بالقوميـة استـتـروا
خانـوا الشعـوب وهـم لله خــوان
يشكـون بالـذل ممـا سامهـم "نتـن"
وهـم مـن الأصـل أعيـار وأنتـان
كم أضجر الناس عهد الشجب كم لعنوا
أبواق مـن نـددوا باللفـظ أو دانـوا
وللبيـانـات أسـجــاع مـكــررة
يقـيء منهـا علـى الإعـلام أذهـان
ثم انتكسنـا فلاشجـب ولاأمـل فـي
الشجـب فالأمـر تهويـد وإذعــان
أستغفـر الله بـل شجـب وولـولـة
إذا تخـبـط "رابـيـن " و"كـاهـان "
وأصبـح الهيكـل الموهـوم كعبتهـم
وشيكـل النحـس للبتـرول أثـمـان
والبعث لابعث بـل خسـف ومهلكـة
بئـس الشعـارات إلحـاد وكـفـران
الكفـر محكمـة التفتيـش تحـرسـه
والنـاس صنفـان ثــوار وثـيـران
قامت علـى نحلـة التثليـث دعوتهـم
فللأقـانـيـم أشـكــال وألـــوان
سـودٌ خيانتـهـم حـمـرٌ جنايتـهـم
وحسبهـم أن إحـداهـا "حـزيـران"
فروا وهم في ذرى الجولان -يا عجباً-
من اليهود وهم في السهـل مـا بانـوا
وأعلنـوا أنهـا فـي يومهـا سقطـت
والساقطـون هـم الحكـام إذ خانـوا
لم يسكتوا وضباب الرعـب يغمرهـم
عند النـزال ولاهـم للحمـى صانـوا
وللعمـائـم تطـبـيـل وبـهـرجـة
يغـار إبليـس منهـا وهــو فـتـان
وربمـا أخَّـر الـدجـال مخـرجـه
إذ لا مكـان لـه والـقـوم جـيـران
أهـذه الـشـام أم عيـنـاك زائـغـة
وربمـا زاغ طـرف وهـو يقـظـان
وشْـيٌ بديـع كسـونـاه حضارتـنـا
كيف انطـوى فهـو أطمـار وخلقـان
فانفـض يديـك مـن الدنيـا وزينتهـا
فإنـمـا هــي أطـيـاف وأطـيـان
واتل الرثـاء علـى الأطـلال مفتتحـاً
(لكـل شـيء إذا مـا تـم نقـصـان
مهما غلا الدمـع فالمأسـاة ترخصـه
أو لم تجـد فاستـدن فالصـب يـدّان
أهـل الصبابـة دعـواهـم مُـزَوَّقـة
لولا المدامـع مـا بـروا ولا مانـوا
واعجب لنا كيف صار الضيم يجمعنـا
فنحـن فـي القيـد أقـران وإخـوان
وانظر إلى موطـن الأبـدال مرتهنـاً
يلـهـو بمغـنـاه دجــال وزفــان
يقـول يـارب هـذا الليـل أثقلـنـي
فهـل لـه آخـر بالفـجـر مــزدان
وهـل إلـى رمـق بالبشـر معتـنـق
يـزفـه مــورد بالـعـز ريـــان
أو تنقضـي هـذه الأحشـاء ذاويــة
وتنضـب الـروح والمشتـاق ولهـان
لا، ليس لليـأس درب فـي مشاعرنـا
مهمـا تنـاوب لــلأرزاء حـدثـان
بقيـة السيـف بالأبـطـال ممـرعـة
والثـأر جـرح فإعصـار فطـوفـان
وللبطـولـة عـشــق لا يـبــدده
وصـل ولا يعتريـه الدهـر سلـوان
وللعـقـيـدة آســـاد مـشـمــرة
لـكـن تكنفـهـا قـهـر وطغـيـان
هـم الأحبـة إن زاروا وإن هجـروا
هـم الأخـلاء إن حلـوا وإن بـانـوا
أرض البطولات يـا أسمـى معاقلنـا
إذا ألـــمَّ بـديــن الله عـــدوان
ذات القـرون إذا حانـت ملاحمـهـا
ففـي رحابـك فسـطـاط ومـيـدان
نجـوز تيـه الفيافـي كـي ننازلـهـا
ونمتطي البحر نصـواً وهـو هيجـان
ونركب الخيـل عريـا وهـي حانقـة
وللمنـايـا كـلالـيـب وأشـطــان
نقـارع المـوت والأهـوال محـدقـة
ونعتلـي الريـح والأجـواء نـيـران
أتعجبـيـن لأن الـكـفـر أوثـقـنـا
حينـاً وقـد شهـدت بالنصـر أحيـان
أم تجزعـيـن لأن الظـلـم فرقـنـا
أللمشـاعـر حــراس وخــزان؟!
هذي الحـدود رمـاح فـي محاجرنـا
فليزعمـوا أن هـذا القلـب أوطــان
من وقعوا "سايكـس بيكـو" وإخوتهـا
متى اعترفنا بهم؟! هل نحـن قطعـان
الحـمـد لله حـبـل الله يجمـعـنـا
فــلا تفرقـنـا قـيـس وقحـطـان
أم تعتبيـن فبعـض الصفـح موجـدة
للمستهـام وبعـض العتـب غـفـران
والله لا نستقيـل الحـب مـا برحـت
منـا علـى البعـد أكبـاد وأجـفـان
فليكتـب الأرز ولتمـلـل ضمائـرنـا
ما شئت مـن موثـق وليشهـد البـان
مع تحياتي
محمد زكي